متى النصر؟! ولِمَ تأخر؟! وهل سنعيشه حقاً؟!
أسئلة تدور
في ذهن الكثير من الناس، وتلحّ على ضمائرهم، ولو أصغوا للصوت القادم من أعماقهم
لتساقطت عبراتهم، واهتزّ وجدانهم من وضوح الإجابة
مضت سنوات طوال، ونحن
نبحثُ عن الحلول عند الشرق وعند الغرب.. ومآسينا تزداد، ونزيف جراح أمتنا يكادُ
يُغرقنا.. زَهِدنا بما في أيدينا وغاب عنّا أن الإسلام هو الحل، وهو الدواء الشافي
لجميع أمراض الأمة وأفرادها
إخواني.. كثرت ذنوبنا وبعدنا عن الدين وانشغلنا
بالدنيا والسعي وراء لقمة العيش وهذا أحد أسباب تأخر النصر، يقول تعالى:
(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا
قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) فالصحابة الكبار
عوقبوا في معركة أحد بعد أن عصوا الرسول، فكيف لا نعاقب نحن، ونحن ضعاف قد غلبتنا
ذنوبنا..
نعم إخوتي.. وسبب جوهري آخر هو الخلاف قال تعالى:
(وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) وقال رسوله صلى الله عليه وسلم:
(وتطاوعا ولا تختلفا) وقد ذكر سيد قطب رحمه الله: "
والنصر قد يبطئ على
(الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ
بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ)، فيكون هذا الابطاء
لحكمة يريدها الله:
1- قد يبطئ النصر لأن بنية
الأمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها، ولم يتم بعد تمامها، ولم تحشد بعد طاقاتها، ولم
تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات، فلو نالت النصر
حينئذ لفقدته وشيكاً لعدم قدرتها على حمايته طويلاً.
2-
وقد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة، وآخر ما
تملكه من رصيد، فلا تستبقي عزيزاً ولا غالياً، لا تبذله هيناً رخيصاً في سبيل الله
.
3- وقد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر
قواها، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر، إنما يتنزل النصر
من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ثم تكل الأمر بعدها إلى الله.
4- وقد يبطئ النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها
بالله، وهي تعاني وتتألم وتبذل ولا تجد لها سنداً إلا الله، ولا متوجهاً إلا إليه
وحده في الضراء وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما
يتأذن الله به، فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها الله به .
5- وقد يبطئ النصر لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد
في كفاحها وبذلها وتضحيتها لله ولدعوته، فهي تقاتل لمغنم تحققه، أو تقاتل حمية
لذاتها، أو تقاتل شجاعة أمام اعدائها، والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي
سبيله، بريئاً من المشاعر الأخرى التي تلابسه، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم:
الرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل شجاعة، والرجل يقاتل ليرى، فأيها في سبيل الله؟
فقال:
" من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل
الله".
6- كما قد يبطئ النصر لأن في الشر
الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقية خير، يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمحض خالصاً،
ويذهب وحده هالكاً، لا تتلبس به ذرة من خير تذهب في الغمار!
7- وقد يبطئ النصر لأن الباطل الذي تحاربه الأمة لم ينكشف زيفه
للناس تماماً، فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له انصاراً من المخدوعين فيه، لم
يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله، فتظل له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف
لهم الحقيقة، فيشاء الله أن يظل الباطل حتى يتكشف عارياً للناس، ويذهب غير مأسوف
عليه من ذي بقية.
8- وقد يبطئ النصر لأن البيئة لا
تصلح بعد لاستقبال الخير والحق والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة، فلو انتصرت حينئذ
للقيت معارضة من البيئة لا يستقر لها قرار، فيظل الصراع قائماً حتى تتهيأ النفوس من
حوله لاستقبال الحق الظافر، ولاستبقائه!
ومن أجل هذا كله ومن اجل غيره مما
يعلمه الله، قد يبطئ النصر، فتتضاعف التضحيات، وتتضاعف الآلام، مع دفاع الله عن
الذين آمنوا وتحقيق النصر لهم في النهاية. وللنصر تكاليفه واعباؤه حين يتأذن الله
به بعد استيفاء أسبابه وأداء ثمنه وتهيأ الجو حوله لاستقباله واستبقائه
(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ
عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ
وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ
وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) فوعد الله الوثيق المؤكد المتحقق الذي
لا يتخلف هو أن ينصر من ينصره فمن هم هؤلاء الذين ينصرون الله، فيستحقون نصر الله
القوي العزيز الذي لا يهزم من تولاه؟ إنهم هؤلاء:
(الَّذِينَ
إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ (فحققنا لهم النصر وثبتنا لهم الأمر)
أَقَامُوا الصَّلَاة...)" انتهى
إن هذا الحال
الذي وصلت إليه أمتنا ليس مدعاة لليأس، بل للعمل، والعمل الجاد بنفوس صابرة راضية..
روى البخاري في صحيحه عن خباب بن الآرت رضي الله عنه قال: (شكونا إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو
لنا؟ فقال: ( قد كان من قبلكم، يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء
بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما
يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا
يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)
وهذه قصة صينية، فيها حكمة نحن أحق بها:
أن
رجلاً كان يتأمل خريطة للعالم قد أعجبته في جريدة، فمزّقها ابنه الصغير.. فغضب منه،
وعاقبه بأن يعيد لصق الجريدة وإرجاعها كما كانت. فلمّا خرج الأب، فكّر في نفسه
وقال: إنه طفل عمره 4 سنوات، كيف سيركّب الجريدة؟! فرجع إلى ابنه ليعفو عنه، فقابله
ابنه فرحاً وقال: أبي أبي العزيز، لقد قمت بارجاع الجريدة كما كانت!!! فلما سأله
مستغرباً عن كيفية ذلك؟ أجابه: وراء الخريطة التي رأيتها كانت صورة لابن آدم فهي
سهلة التركيب عينان وفم و... فقمت بتركيبها فرأيت أن الخريطة رجعت كما كانت.
وسأعيد على أسماعكم قصة الشيخ العجوز الذي جمع ابناءه وهو على فراش الموت
وقال لهم:
أنا مثلكم كنت شاباً في العشرين من عمره، يريد تغيير العالم وإرجاع
النصر لأمتنا. فكنت أقول سأغير العالم كله، فلما مضت عشرة سنوات ولم أفعل شيئاً،
قلت: إن العالم كبير جداً، سأغيّر بلدي فقط. ومضت عشرة سنوات أخرى ولم أفعل شيئاً،
فقلت: لن أستطيع أن أغيّر البلد، سأغيّر مدينتي فقط. ومرّت عشرة سنوات ولم أفعل
شيئاً، فقلت: سأذهب من الدنيا بدون أن أفعل شيئاً، لا بدّ أن أغيّر الحيَّ الذي
أسكنه. لكن كانت سنوات عجاف، فقلت: يكفيني أن أغيّر عمارتي فقط. و مضت 10 سنوات
أخرى بدون فائدة، فقلت وقد ضعف جسمي وخارت قواي: سأغير مَن في طابقي فقط. وأصبحت
أحاول وأحاول 10 سنوات أخرى لكن بدون فائدة، فبلغت الـ80 من عمري ولم أكلَّ، وجعلتُ
هدفي تغيير أسرتنا فلم أقدر.. وها أنا أمامكم قد بلغتُ التسعين وجاءت سكرة الموت،
وأريد أن أوصل لكم رسالة عرفتها بعد هذا العمر الطويل، إني لم أنجح لأنني لم أبدأ
بنفسي فأغيّرها. قال تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ
مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).. لذا إخوتي مات الرجل
وهو يدرك أنه لو أعطاه الله عشرة سنوات أخرى لغيّر العالم.
إخواني غيروا
أنفسكم و غيروا عائلتكم وغيروا حيّكم وبلدتكم وبلادكم وأمتكم والعالم سيتغير، نعم
إخواني.. قد تعطي لمرأة مسكينة قطعة خبز، فيراك آخر فيقلدك فيراه آخر فيقلده، وهكذا
تكون غيرت العالم بقطعة خبز.. ولا تحقرنّ من المعروف شيئاً